داء النسيـــان (قصة قصيرة)
(أريد هذا يا بابا ، وهذا ، وهذا) رغم الضباب الزاحف فوق الطريق الا أن الطفل أنتقى ما أراده ، وبعاطفة الأبوة ولتعويض شىء مما أفتقده الطفل من حنان أمه المتوفية وجد الأب نفسهِ مندفعاً لتحقيق رغبة أبنه العزيز ، دلفا محل الألعاب وكأن الصغير شعر بأمكانية الأمساك بالأحلام فى قبضته فأكثر مما أراد ، ثم غادراً المحل حاملاً الأب سعادة أبنه المتمثلة فى بعض الألعاب والكثير من الدمى ولم ينسى أن يرمق الصغير بين الحين والأخر ليستمتع بمشاهدة السعادة التى تسبح فى عينيه و الفرحة التى ترسو فوق ملامحه ،اما الصغير فأبى أن يحمل الأب أجمل ما أبتاعه ، هذا (الدبدوب ) ذو اللون الأبيض والأبتسامة الساحرة ، هذا صديقه منذ اليوم وغداً ، هذا أخيه الذى لم يجده يوما فى المنزل ، هذا كل شىء ! العرق سال من وجهى بغزارة وكأنى أمطر ، والرعد والبرق ظهرا على ملامحى ، تبدلت قسماتى كثيراً أثناء نومى ، شعرت بذلك . ودقات قلبى التى تطارد بعضها البعض ، والخوف الذى يتنفس أسفل الفراش ، ولم أجد بدا من الأستيقاظ . صرخت بعنف: كابوس ، فسمعت صدى الصرخة فى عقلى يتردد بدوى الموت _كابوس ..كابوس ..كابوس هززت رأسى طارداً الأفكار والهواجس والخوف ، منذ متى وأنا يسكنى عنكبوت الرعب ؟! نهضت من الفراش ، أيقظت المصباح من سباته العميق ، أظن أنه يغفو أكثر مما أفعل ، منذ ثلاثة أيام وأنا وحدى فى المنزل ولم أضىء النور أبداً ، ربما هذا الظلام ، ربما هذا الضباب . دلفت الحمام ، تركت رأسى أسفل المياة ، يغسل ذنوبى ، ولكن ما هى وكم عددها ؟! عدت الى الفراش ، حاولت الأستسلام للنوم ولكن العقل والجسد قاوماه ، والأفكار فى حالة ثورة ، نظرت الى الساعة فوجدتها الثانية بعد منتصف الليل ، أمسكت الجوال وطلبت أحد الأصدقاء بينما أرتدى ملا بسى أستعداداً للخروج ، جائنى صوته الغالب عليه النعاس وهو يجيب : _ الأنك فى أجازة تيقظنى أيها الأحمق ؟ _ وكأنى من طلب الأجازة ؟ كيف حالك ؟ _لا أظنك تهاتفنى الأن يا خالد كى تسئلنى على حالى ، حسنا ، أخبرنى من مات ؟ _ أتنتظر كارثة ؟ _ صدقنى .. لا يأتى منك سوى هذا ! _كفى صداعا ، أرتدى ملابسك ، أنا فى أنتظارك _ لن أفعل بالتأكيد ،عملى السابعة غداً أم تريد المدير أن يغنى معى كما أنشد معك ؟ _سحقاً له .. لا تقلق ، هو من أخطأ فى حقى ، وأنا فى أنتظار أعتزاره _ تنتظر أعتزار رب عملك ؟! ، أضحكتنى ، كما أنك أنت المخطىء لا هو ! _ لا أتذكر ، الوقت يمضى ، أأكملت أرتداء ملابسك ؟ _ أيها الأحمق أنا فوق فراشى ولن أخرج _بل أنا من فى الطريق إليكِ ، أنتظرنى ، وإن غفوت سأيقظك أنهيت المكالمة وألقيت الجوال على المقعد المجاور ثم أنتبهت أكثر للطريق ، حتى أنى لم ألحظ شرودى صفعة على الوجه هى التى تيقظ النهار ،وصراخ وسباب ينطلق مصطدماً بوجه الطفل ، ليغير من ملامح البراءة الى قسمات الخوف والبلاهة والتعجب ، رغم أن كل نهار يحمل فى باطنه الذهاب الى الحضانة يأتى مصاحباً لسباب أمه التى حلت محل الأب بعد رحيله من دنيانا الا أن الصغير يجد صعوبة فى أعتياد ذلك . و حين يعود من الحضانة كل يوم يقف أمام محلات الألعاب مراقباً أياها حزيناً ، بائساً ، وحيداً . يتمنى أن يشترى يوماً (دبدوب) أبيض اللون ذو أبتسامة ساحرة ، وأن يكون صديقه وأخيه ولكن أين النقود؟! ، أنها مع أمه ، وسخط أمه ، وسبابها ، وغضبها . ترى متى ستشترى له هذا الدبدوب ؟! وتوقف ذات يوم بجوار أحدى المستشفيات وجد قطن أبيض ممتزج ببعض الدماء بجوار حائط نصف متهدم مع ما يلقى فى المهملات ، ورغم أن شكل القطن مزرى ومقرف ، الا أن أبتسامة الظفر قد علت وجه الطفل و صاح سعيداً بداخله : لقد وجدت مبتغاى ، سأخلق من هذا دبدوباً أبيض ! يا الله ، أخيراً قد وجدت مكاناً فارغاً لأترك به سيارتى ، النسيم داعب خصلات شعرى ، ولثمنى بسعادة من الجنة ، صعدت شقة صديقى وتركت أصبعى على جرس الباب ، تذكرت الحلم الجميل الذى زارنى أثناء يقظتى ، أثناء القيادة ، شعرت وكأنى أسبح فى السحب لشدة نشوتى . وفتح الباب ووجدت صديقى خارجاً شبه عارى ينظر الى بغضب وهو يقول : _ سحقا لجنونك ، لم أدرك أنك ستأتى حقا ..تفضل أغلق الباب وتركت جسدى يسقط فوق أقرب اريكة وجلس هو فى المقابل ، شردت بعينى فى اللوحة التشكيلية المرسومة بأبداع على الجدار ، بدت معبرة عن العلاقة الأسرية والتفاهم بين الأب والأم ، تابع صديقى بعينه نظرات عينى ثم أشار الى اللوحة وقال : _ دائماً تعجبك هذه اللوحة ، أليس كذلك ؟ _ بالتأكيد هى تعبر عن التفاهم بين الأب والأم _ أجننت ؟ هذه صورة أباحية ! _ أحقاً ؟!ً الفن التشكيلى يفهم على حسب رؤية كل فرد _ أكاد أجزم أنى ألامس فى حديثك الجنون ، هذه صورة فوتغرافية ، ما شأن الفن التشكيلى هنا ؟ أطلقت تنهيدة حارة ثم أشعلت لفافة تبغ بتوتر خرج على هيئة سحب ضبابية كثيفة تصف الظلام الذى بداخلى ثم قلت : _ أشعر أنى لست على ما يرام _الأجازة التى نلتها لأراحة أعصابك ، أليس كذلك ؟ _أنا على ما يرام ،بئساً لهذه الأجازة _ألم تقل أنك لست على ما يرام ؟ _أتعتقد أنهم سيعيدونى الى العمل ؟ _أنت من أخبرتنى من قبل أن المدير قد أعطاها أياك لأراحة أعصابك _ لقد قال لى هذا ؟ _ من ؟ المدير ! _ لا ، بل شخص أخر _ أتريد أن تخبرنى لم فعلت هذا ؟ _ فعلت ماذا ؟ وصمت لبرهة ، أنى أشعر بأنه يعلم شىء لا أعلمه ، أو ربما لا أتذكره ، أشعر وكأنى أشتم بأنفى رائحة تهكم فى كلماته ، أكان يتهكم ؟! قتل الصمت بالكلمات وقال : _ لم أتيت ...فيم كنت تريدنى ؟! ونسيت أننا كنا نتحدث فى شىء ، نسيت أن أسأله ماذا فعلت؟ وجدت نفسى أقول بتلقائية : _ لا أعلم ، كوابيس ، أرق ، ربما الوحدة وتذكرت أن أسأله ماذا فعلت ؟ ولكنه سرق من ساعتى الوقت وقال : _هى الوحدة ، أنت تعيش فى القاهرة منذ مدة ويبدو أنك لم ترى والديك من فترة صداع ، وطرقات على المخ ، أريحنى من هذا ، ماذا تريد أن تقول ؟ كدت أقول له هذا لولا جرس الباب الذى صرخ نظرت أليه وسألته : _ أتنتظر أحد ؟ ،، نظر الى ساعته وقال : فى الساعة الثالثة ونصف صباحاً بالتأكيد لا ! ً عدت الى المنزل مرهقاً ، النهار المشرق سجن الليل الى حين ، تذكرت صديقى حين نهض ليفتح الباب ، حين وجد الكثير من أصدقائنا أمامه ، وكل منهم يحمل زجاجة بيرة ، قالوا له أننى من هاتفتهم طالباً منهم الحضور للسهر والسمر عنده ، أفعلت هذا ؟! مر الوقت علينا ، وشعرنا به ، اما صاحب الشقة فسقط نائماً لشدة أرهاقه ، وضاع منه الذهاب الى العمل ، أعتقد أنه حين يستيقظ سيغضب منى وقد يكرهنى ، مديرنا لا يرحم ، ولكنى لم أشغل عقلى كثيراً فى التفكير ولم ألبث أن تناسيت ما حدث ، أكنت عند صديقى؟! لا أذكر . وزارنى النوم وأحسنت أستقباله ، ليته يأتى بمفرده غير مصاحباً للكوابيس ، سحقاً للأحلام والكوابيس لم لا تتركنى للواقع . حين تجسد الزمن من الطفولة الى الشباب ، خرج الشاب من الملجأ وحيداً كما دخله طفلا وحيداً ،هكذا ظن ! ولكن الأيام أثبتت غير هذا ، أدرك أنه يحمل فى أعماقه الخوف من هذا العالم ، والرعب من أحلامه ، ففقد قارة الواقع وضاعت منه جزيرة الأحلام ، عمل فى جميع المجالات ، مع السباكين والنجارين والحمالاين والنشالين وفشل ! ، ولكن الأيام أوحت له أنه ربما ينجح ، ففى عقله الأفكار ومزيج من الجنون والعبقرية ، لقد بدأ يرى أنه أكثر ذكائاً من غيره وأكثر دهائاً من نفسه ، فبدأ يخطط ليغير من حياته وقد فعل ! _لااااااااااااااااااااااا أستيقظت وأنا أتسائل ترى ماذا حلمت ؟! أى كابوس هذا ؟ نظرت من نافذتى فرأيت الليل ، ورأيت فيه داخلى . أمسكت الجوال وبحثت عن رقم أبى ، يبدو أننى بحاجة الى الحديث معه ، ربما علىّ السفر لبلدتى كى تحتضنى أمى ، نهضت واضعاً يدى فوق وجهى ربما لخوفى من رأيتى فى المرآة ، ولم أخف ؟ ألقيت الجوال على الفراش ، ترى لماذا مسكته منذ قليل ؟! جلست فى الشرفة أتابع السائرين وأرمق القمر بمقت شديد ، لا أحب الليل ، كفى ليل ، كفى ليل . عدت الى الغرفة على أثر صراخ جوالى وجدته صديقى يتصل ، لم أشىء أن أجيب مكالمته ، لن أجيب ، لن أجيب _كيف حالك ؟ يبدو أنك غرقت فى سبات عميق ؟ _أتعلم يا خالد أنك أحقر رجل قابلته فى حياتى _ لماذا تقول هذا ؟ _يا أبن العاهرة لماذا فعلت هذا ؟ أنه يذكرنى وانا لا أريد التذكر ، أردت أن أسئله صباحاً ماذا فعلت ؟ كان يتكلم عن عملى ، أليس كذلك ؟ _أجبنى أيها الحقير _ما الأمر أتتحدث عن أجازتى ؟ _لا أتحدث عن فصلك من عملك ولا آهتم به ، لقد أخبرونى الأصدقاء أنك هاتفتهم وأحضرتهم الى البيت كى يضعوا لى المخدر لأرافق الفراش ، هذا ليس مزاح أيها المعتوه ، لقد فصلت من العمل لغيابى ، أنك ملىء بالحقد , أهذا ما تريد أن أفصل مثلك ، أقسم أن أقتلك ، أقسم أن أقتلـ.. أغلقت المكالمة فى وجهه ، يبدو أن شبكة الأتصالات ليست فى أفضل حال ! ، يبدو أنى لست أيضاً فى أفضل حال ، فيم كان يتحدث ؟ ربما عن أجازتى ، لم أخبرنى أننى قد فصلت ؟ ،أنا فى أجازة ، أقال أيضاً أن سبب الفصل كان تزويرى cv الخاص بى؟ أم عن الأختلاس؟ أنى حزين ومرهق ووحدى ، وحين أشعر أنى وحدى أتجه دائما الى غرفتى وأجلس على الفراش محتضناً الدبدوب الأبيض ذو الأبتسامة الساحرة . تذكرت حين حصلت على وظيفتى وقبضت أول راتب وأتجهت الى محل الألعاب والهدايا وأبتعت هذا الدبدوب ، لا ، بل أبى هو من فعل هذا وأنا صغيراً ، أمسكت قداحتى وأشعلت النيران فى الدبدوب وأنا أصرخ : دبدوب حقير ، سحقاً لك يا أبن العاهرة ، أكرهك ، أكرهك وألقيت به من النافذة . ليس هذا صديقى ، وأتجهت الى الدولاب وأخرجت منه دبدوبا قد صنعته من القطن المنقط باللون الأحمر ،ولكنى أشتم به رائحة القمامة ، تبا لك وأحرقته ، وأحرقته وخرجت من منزلى ، مرتدياً البيجاما ، أسير فى الطرقات حيث تشاء قدمى ، فوجدت نفسى أمام أحد الملاجىء ، أنى أكره الملاجىء ، وهذا الملجأ كم أمقته ، رأيت الناس يشيرون ألىّ ويسخرون ويصرخون : مجنون عارىّ ، مجنون عارىّ ، ترى أين ذهبت بيجامتى؟ لقد خرجت بها من البيت ، أفعلت هذا ؟ ، تبا أنا لا أتذكر شيئاً ، أيها الملاعين أنا لست مجنوناً ، جل الأمر أنى تناسيت أمسى وحطمنى يومى ويقودنى الغد الى الجحيم ، وربما أنقرض ! __________________ |
ماشاء الله عليك ..
بس انا عاوز أعرف حاجه هى الحاجات الحلوه دى من تأليفك ؟؟؟. |
مشكور ليك على هذا الابداع
|
دى اعراض زهيمر بس من النوع التقيل شكرا على الموضوع الرائع واتمنى لك التوفيق فى مواضيعك القادمة |
أنت فنان !! |
أحسنت والله يا مبدع !!
جزاكم الله خيراً |
الساعة الآن 08:34 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By World 4Arab
www.q8-one.com