الموضوع: من هو الله
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 2010-08-24, 08:19 PM
الصورة الرمزية MAGIC7
MAGIC7 MAGIC7 غير متواجد حالياً
مشرف منتدى الصور
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الدولة: EGYPT
المشاركات: 768
MAGIC7 is on a distinguished road
افتراضي

هداية الحمام وعجائب صنع الله فيه

أما حديث ابن القيم عن الحمام وبدائع صنع الله فيه ، وعجيب هدايته إلى ما هداه إليه فحديث طويل ممتع ، يدل على أن التفكير في خلق الله منهج أخذ به أهل العلم أنفسهم تحقيقاً لأمر الله لعباده ، وفي هذا يقول ابن القيم :وهذا الحمام من أعجب الحيوان هداية ، حتى قال الشافعي : أعقل الطير الحمام ، وبُردُ الحمام هي التي تحمل الرسائل والكتب ، وربما زادت قيمة الطير منها على قيمة المملوك والعبد ، فإن الغرض الذي يحصل به لا يحصل بمملوك ولا بحيوان غيره ؛ لأنه يذهب ويرجع إلى مكانه من مسيرة ألف فرسخ فما دونها ، وتنهي الأخبار والأغراض ، والمقاصد التي تتعلق بها مهمات الممالك والدول .
والقيمون بأمرها يعتنون بأنسابها اعتناء عظيماً ، فيفرقون بين ذكورها وإناثها وقت الفساد ، وتنقل الذكور عن إناثها إلى غيرها ، والإناث عن ذكورها ، ويخافون عليها من فساد أنسابها وحملها من غيرها ، ويتعرفون صحة طرقها ومحلها ، ولا يأمنون أن تفسد الأنثى ذكراً من عرض الحمام فتعتريها الهجنة ، والقيمون بأمرها لا يحفظون أرحام نسائهم ويحتاطون لها كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون لها .


والقيمون لهم في ذلك قواعد وطرق يعتنون بها غاية الاعتناء بحث إذا رأوا حماماً ساقطاً لم يخف عليهم حسبها ونسبها وبلدها ، ويعظمون صاحب التجربة والمعرفة ، وتسمح أنفسهم بالجعل الوافر له .
ويختارون لحمل الكتب والرسائل الذكور منها ، ويقولون : هو أحن إلى بيته لمكان أنثاه ، وهو أشد متناً ، وأقوى بدناً وأحسن اهتداء ، وطائفة منهم يختار لذلك الإناث ، ويقولون : الذكر إذا سافر وبعد عهده حنّ إلى الإناث وتاقت نفسه إليهن ، فربما رأى أنثى في طريقه ومجيئه فلا يصبر عنها ، فيترك السير ، ومال إلى قضاء وطره منها .

وهدايته على قدر التعليم والتوطين ، والحمام موصوف باليُمْن والإلف للناس ، ويحب الناس ويحبونه ، ويألف المكان ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه ، وإن أساء إليه ، ويعود إليه من مسافات بعيدة ، وربما صد فترك وطنه عشر حجج ، وهو ثابت على الوفاء ، حتى إذا وجد فرصة واستطاعة عاد إليه .
والحمام إذا أراد السفاد يلطف للأنثى غاية اللطف ، وإذا علم الذكر أنه أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد يقوم هو والأنثى بطلب القصب والحشيش وصغار العيدان ، فيعملان منه أفحوصة ، وينسجانها نسجاً متداخلاً في الوضع الذي يكون بقدر حيمان الحمامة ، ويجعلان حروفها شاخصة مرتفعة ، لئلا يتدحرج عنها البيض ، ويكون حصناً للحاضن ، ثم يتعاودان ذلك المكان ، ويتعاقبان الأفحوص يسخنانه ، ويطيبانه وينفيان طباعه الأول ، ويحدثان فيه طبعاً آخر مشتقاً ومستخرجاً من طباع أبدانهما ورائحتهما ، لكي تقع البيضة إذا وقعت في مكان هو أشبه المواضع بأرحام الحمام ، ويكون على مقدار من الحر والبرد والرخاوة والصلابة .
ثم إذا ضربها المخاض بادرت إلى ذلك المكان ، ووضعت فيه البيض ، فإن أفزعها رعد قاصف رمت بالبيضة دون ذلك المكان الذي هيأته كالمرأة التي تُسقط من الفزع .


فإذا وضعت البيض في ذلك المكان لم يزالا يتعاقبان الحضن ، حتى إذا بلغ الحضن مداه وانتهت أيامه انصدع عن الفراخ ، فأعاناه على خروجه ، فيبدآن أولاً بفتح الريح في حلقه حتى تتسع حوصلته ، علماً بأن الحوصلة تضيق عن الغذاء ، فتتسع الحوصلة بعد التحامها ، وتنفتق بعد ارتتاقها .
ثم يعلمان أن الحوصلة وإن كانت قد اتسعت شيئاً فإنها في أول الأمر لا تحتمل الغذاء ، فيزقانه بلعابهما المختلط بالغذاء ، وفيه قوى الطعم .

ثم يعلمان أن طبع الحوصلة تضعف عن استمرار الغذاء ، وأنها تحتاج إلى دفع وتقوية ، لتكون لها بعض المتانة ، فيلقطان من الغيطان الحب اللين الرخو ، ويزقانه الفرخ ، ثم يزقانه بعد ذلك الحب الذي هو أقوى وأشد .
ولا يزالان يزقانه بالحب والماء على تدريج بحسب قوة الفرخ ، وهو يطلب ذلك منهما ، حتى إذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ، ليحتاج إلى اللقط ويعتاده ، وإذا علما أن رئته قد قويت ونمت ، وأنهما إن فطماه فطماً تاماً قوي على اللقط وتبلغ لنفسه ضرباه إذا سألهما الزق ، ومنعاه .ثم تنزع تلك الرحمة العجيبة منهما ، وينسيان ذلك التعطف المتمكن حين يعلمان أنه قد أطاق القيام بالتكسب بنفسه ، ثم يبتدآن ابتداء ذلك النظام .


ومن عجيب هداها أنها إذا حملت الرسائل سلكت الطرق البعيدة عن القرى ومواضع الناس ؛ لئلا يعرض لها من يصدها ، ولا يرد مياههم ، بل يرد المياه التي لا يردها الناس .

ومن هداية الحمام أن الذكر والأنثى يتقاسمان أمر الفراخ ، فتكون الحضانة والتربية والكفالة على الأنثى ، و*** القوت والزق على الذكر ، فإنّ الأب هو صاحب العيال والكاسب لهم ، والأم هي التي تحبل وتلد وترضع .


ومن عجيب أمرها ما ذكره الجاحظ : أن رجلاً كان له زوج حمام مقصوص ، وزوج طيار ، وللطيار فرخان ، قال : ففتحت لهما في أعلى الغرفة كوة للدخول والخروج وزق فراخهما ، قال : فحبسني السلطان فجأة ، فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام ، ولم أشك في موتهما ؛ لأنها لا يقدران على الخروج من الكوة ، وليس عندهما ما يأكلان ويشربان .
قال : فلما خلي سبيلي ، لم يكن لي هم غيرهما ، ففتحت البيت فوجدت الفراخ قد كبرت ، ووجدت المقصوص على أحسن حال ، فعجبت ، فلم ألبث أن جاء الزوج الطيار ، فدن الزوج المقصوص إلى أفواههما يستطعمانهما كما يستطعم الفرخ فزقاهما .


فانظر إلى هذه الهداية ، فإن المقصوصين لما شاهدا تلطف الفراخ ، للأبوين وكيف يستطعمانهما إذا اشتد بهما الجوع والعطش ، فعلا كفعل الفرخين ، فأدركتهما رحمة الطيارين ، فزقاهما كما يزقان فرخيهما .
ومن هدايتها أيضاً أنه إذا رأى الناس في الهواء عرف أي صنف يريده ، وأي نوع من الأنواع ضده ، فيخالف فعله ليسلم منه ، ومن هدايته أنه في أول نهوضه يغفل ، ويمر بين النسر والعقاب ، وبين الرخم والبازي ، وبين الغراب والصقر ، فيعرف من يقصده ، ومن لا يقصده ، وإن رأى الشاهين فكأنه يرى السم الناقع ، وتأخذه حيرة كما يأخذ الشاة عند رؤية الذئب ، والحمار عند مشاهدة الأسد .




مزيد من عجائب هداية الله مخلوقاته_كلبة ترضع طفلاً مات أهله


قال الجاحظ : لما وقع الطاعون الجارف أتى على أهل دار ، فلم يشك أهل تلك المحنة أنه لم يبق منهم أحد ، فعمدوا إلى باب الدار فسدوه ، وكان قد بقي صبي صغير يرضع ، ولم يفطنوا له ، فلما كان بعد ذلك بمدة تحول إليها بعض ورثة القوم ، ففتح الباب ، فلما أفضى إلى عرصة الدار إذا هو بصبي يلعب مع جراء كلبة قد كانت لأهل الدار فراعه ذلك ، فلم يلبث أن أقبلت كلبة قد كانت لأهل الدار ، فلما رآها الصبي حبها إليها ، فأمكنته من أطبائها ، فمصها ، وذلك أن الصبي لما اشتد جوعه ورأى جراء الكلبة يرتضعون من أطباء الكلبة حبا إليها ، فعطفت عليه ، فلما سقته مرة أدامت له ذلك ، وأدام هو الطلب .


__________________
(عش ما شئت فإنك ميت, وأحبب من شئت فإنك مفارقه, وأعمل ما شئت فكما تدين تدان)


رد مع اقتباس