الطلب على الإنتاج الغذائي يرتفع نحو 92,4 مليار دولار في 2020
العربية.نت حظيت مسألة الأمن الغذائي باهتمام واسع إثر الأزمة الغذائية التي ألمت بالعالم خلال عامي 2007-2008، وهي تأتي اليوم على قائمة أولويات المنطقة وحكوماتها.
ووفقاً لتقرير معمق أصدرته "الماسة كابيتال" حول الأمن الغذائي تحت عنوان "الأمن الغذائي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: هل نبذل ما يكفي لتأمين الغذاء لسكان المنطقة"، فقد تم اتخاذ العديد من الخطوات الجادة لضمان الاستفادة من دروس الماضي وتفادي الوقوع مجدداً في الأخطاء المرتكبة على هذا الصعيد. وقد أدركت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مدى أهمية اتخاذ هذه الخطوات لتجنب حصول طفرة في الأسعار كتلك التي وقعت قبل خمس سنوات. ويكمن الخطأ بشكل رئيسي في مزودي الغذاء إلى المنطقة، وسياسة تقييد الصادرات التي دفعت بدورها بلدان المنطقة إلى شراء الغذاء من السوق العالمية بأسعار أعلى بكثير.
وبهذا الصدد، قال شايلش داش، الرئيس التنفيذي لشركة "الماسة كابيتال": "لقد كانت مسألة مثيرة للاهتمام أن يصل ارتفاع الأسعار بين شهري مارس 2007 ومارس 2008 إلى نسبة قياسية بلغت 59% مع ارتفاع أسعار الزيوت والسمن بنسبة 106%، والحبوب بنسبة 83%.
ولهذه الأسباب بالذات، سعت المملكة العربية السعودية إلى شراء نحو مليوني طن من القمح من الولايات المتحدة الأمريكية ليتم تسلمها خلال شهرين، وذلك لضمان مضاعفة مخزونها من الحبوب بغية الحفاظ على أسعارها ثابتة لغاية عام 2014. ويعتقد داش أن هذه الرؤية بعيدة المدى تسلط الضوء على جدية المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي، ومن المرجح أن تحذو بقية بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حذو المملكة لضمان الحصول على احتياطيات كافية لمواجهة أي طفرة مفاجئة في أسعار الغذاء.
وتنبع حساسية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على صعيد الأمن الغذائي من قلة الأراضي الصالحة للزراعة (3,9% فقط) وشح المياه. ونتيجة لذلك، فإن المنطقة في أحسن أحوالها مضطرة لاستيراد 50% من حاجاتها الغذائية، وليس مفاجئاً بطبيعة الحال أن ترتفع هذه النسبة مع ازدياد عدد سكان المنطقة بمعدل وسطي يقارب نحو 4 ملايين نسمة جديدة بحاجة للغذاء سنوياً، الأمر الذي يستدعي مزيداً من الإنتاج الغذائي لتلبية الطلب المتزايد. ومن المتوقع أن يرتفع حجم الطلب على الغذاء من 61,4 مليار دولار عام 2008 إلى 92,4 مليار دولار بحلول عام 2020.
وبدأت العديد من بلدان المنطقة بذل جهود حثيثة للاستثمار في الأراضي الزراعية بالخارج، وبناء احتياطيات غذائية استراتيجية، واعتماد سياسات محددة للأمن الغذائي. وجاءت في طليعة هذه المبادرة كل من بلدان قطر والسعودية والإمارات ومصر وليبيا والكويت، حيث تم "ادخار" نحو 45 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في عام 2009 لوحده. وتعد الأهداف الأساسية لسياسة الأمن الغذائي القطرية، التي يشار إليها أيضاً بـ "برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي"، حالة نموذجية للدارسة ونموذجاً يمكن الاحتذاء به من بقية بلدان المنطقة.
إن لسياسة الأمن الغذائي جوانب عديدة، ولا شك أن السياسات الحكومية التي تنشد رؤية الصورة كاملةً ووضع الحلول واسعة النطاق هي الأكثر قدرةً على إدارة مخزوناتها الاحتياطية بشكل أفضل. وتتمثل أبرز عناصر هذه المعادلة في الاهتمام بتكنولوجيا الغذاء، وأساليب زراعة البذار، ودوران المحاصيل المهجنة، وعمليات المعالجة بعد الحصاد، والأنظمة السريعة لسلسة القيمة، وتحسين عمليات الري، ورفع سوية الوعي حيال أنماط الطقس، فضلاً عن الدوران السريع للمحاصيل. ومن الجوانب التي غالباً ما يتم تجاهلها كذلك الخصائص الزراعية التي تؤثر بشكل مباشر على التكاليف؛ فعلى سبيل المثال، من المكلف أكثر إنتاج اللحوم بسبب الحاجة إلى مزيد من المياه قياساً بإنتاج الحبوب.
ولا شك أن تشجيع القطاع الخاص -سواءً في عمليات النقل متعدد الوسائط، أو التبريد، أو الزراعة، أو التخزين، أو الأبحاث، أو الأغذية المعالجة، أو الري– يعد عاملاً محورياً في سياسات الأمن الغذائي؛ وبالتالي ينبغي على هذه السياسات أن تولي رواد الأعمال في القطاع الزراعي أهمية أكبر ضمن خططها المستقبلية.
إن تشكيلة المواد الغذائية واسعة وذات مصادر معقدة ومتنوعة؛ ويعد القمح، وقصب السكر، والطماطم، والبطاطا، والحليب، ولحوم الدجاج، والزيتون أبرز المنتجات الغذائية التي يتم إنتاجها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فيما يتم استيراد بقية المنتجات من شركاء تجاريين أساسيين مثل فرنسا، وأمريكا الشمالية (تتضمن الولايات المتحدة وكندا)، وروسيا، وأوكرانيا، والأرجنتين، والهند، والبرازيل، وأستراليا، وذلك لتأمين الطلب بشكل رئيسي على مواد الذرة، والشعير، والرز، والسكر الخام وغيرها.
ورغم أهمية دور التكنولوجيا في مجال الأمن الغذائي، غير أن تقرير "الماسة كابيتال" يشير إلى دور لا يقل أهمية للمنظمات الدولية - مثل البنك الدولي، والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي – في الحفاظ على الأمن الغذائي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك من خلال توفير وسائل سهلة ومتنوعة للاستثمار من قبل الأفراد والمؤسسات والحكومات الإقليمية.
يسلط تقرير "الماسة كابيتال" الضوء بطريقة واضحة وصريحة على مسألة مهمة للأجيال القادمة في المنطقة.
|